فشل صهينة الفكر العربي الفلسطيني وسف مالكيه

فشل صهينة الفكر العربي الفسطيني
يوسف مالكيه
مما لا شك في ان مستشارو الكيان الصهيوني وخبراؤه العاملون في فلكه ادركوا حقيقة ان العمل العسكرية لا يفلح ابدا في مجابهة الشعب الفلسطيني والعربي، فشرعوا بتأسيس برنامج عمل دقيق يتمّ من خلاله نقل الصراع من الجبهات العسكرية والسياسية الى جبهة أخرى بعيدة عن تلك الجبهتين، ألا وهي الجبهة «الثقافية»، ومحاولة فرض الحصار على الثقافة العربية التي تتمسك بها شعوب المنطقة، واستبدالها بثقافة مستوردة تسمح بإحلال النظام العالمي الجديد في منطقة الشرق الأوسط .
وممّا يساعد على تثبيت أركان هذه العملية وجود عاملين مهمّين:
الأول: الوجود الأميركي في المنطقة الذي يمكنه ممارسة الضغوط التي تلعب دورها الكبير في إنجاز مالا يمكن إنجازه في غير هذه الحالة.
الثاني: حالة الاستسلام التي يعيشها بعض حكّام العرب، والتي من شأنها أن تمنح عملية السلام المزعومة ضمانات كافية على طول مسار مراحلها المتعدّدة.
وقد تم اعداد خطة صهيونية برعاية امريكيا اوروبية تتمحور بالاتي
1 ـ محاولة السيطرة على وسائل الإعلام في العالم، وبسط النفوذ على وكالات الأنباء العالمية وشبكات التلفزة المشهورة و المحطّات الفضائية المعروفة. إذ من خلال السيطرة على هذه الوسائل ستتمّ الهيمنة على أذهان وافكار الشعوب، وبالتالي دسّ ما تريد قوله وحذف مالاترغب فيه، وهذا يعني السيطرة الكاملة على الأجواء الثقافية للشعوب، وخاصّة شعوب المنطقة العربية
2 ـ إقامة الندوات والمؤتمرات للبحث في هذه القضية، والعمل على تهيئة الدراسات والبحوث المتعلّقة في هذا المجال، والمطالبة باقتراحات جديدة بما يتماشى مع افكارهم
3 ـ تأسيس المعاهد والمراكز الفنية والعلمية والأكاديمية النشطة في المنطقة العربية وفلسطين تحديداً.
4 ـ توسيع دائرة العلاقات مع الفنانين والمثقفين العرب والمسلمين، وتهيئة الأجواء لعمليات اللقاء وفتح القنوات معهم
5 ـ تنمية السياحة الاسرائيلية، والإهتمام بها بالشكل الذي يتسنّى للزائرين والسوّاح أن يتعرّفوا على الثقافة والآداب الصهيونية. وبالمقابل تنظيم رحلات السوّاح الصهاينة لإختراق المناطق السياحية العربية الإسلامية بعناوين مختلفة.
ان تسخير وسائل الإعلام العربية لعملية التطبيع; من الأساليب المهمّة التي يتّبعها الصهاينة في عملية الإختراق الثقافي هو الاستفادة من وسائل الإعلام العربية الإسلامية والتي من خلالها يسعى هذا الكيان الغاصب الى تطبيع العلاقات الثقافية بينه وبين الأطراف العربية الإسلامية، والتقليل من شدة العداء والحسّاسية التي يكنّها العرب تجاه الصهاينة الغاصبين.
فبعض مدراء وسائل الإعلام العرب «جعلوا من أنفسهم جسوراً لتمرير مخطط التطبيع» وذلك بسبب إفتقادهم الرؤية الصحيحة، فكانوا من الممهّدين للغزو الثقافي الصهيوني البغيض.
وقد رصدت مشاهدات كثيرة تدلّ على ذلك:
منها: إستبدال الخطاب الإعلامي الهادر بالغضب والمشبّع بالعداء لهذا الكيان الغاصب بخطاب آخر يحمل بين طيّاته الودّ والرغبة في التقارب كما هو واضح لأدنى تتبّع.
بل انّ بعض الشبكات التلفزيونية قامت بإجراء لقاء مع قادة صهاينة، وبثّه بصورة مباشرة عبر محطّاتها الأثيرية! اضافة الى بعض الصحف التي تجاوزت بعض الخطوط الحمراء لتنشر لقاءً صحفياً ممتعاً معهم
وقد تعدّى الأمر الى اكثر من ذلك، فقد اندفعت نخبة من المثقّفين العرب الى إقامة الندوات واللقاءات الودّية وتحت عناوين مختلفة مع المثقّفين الصهاينة للبحث في مسألة التواصل الثقافي والإنفتاح الفكري الحضاري…. وما الى ذلك.
و من الأساليب التي تتبعها الصهيونية والمؤسّسات التابعة لها في خطّتها المتضمّنة غزوها الثقافي: تأبين الوجوه الثقافية البارزة في العالم العربي الإسلامي، لغرض رفع الحواجز والعقبات الثقافية التي تحول دون تمدّدها في المنطقة، من خلال التخفيف من شدة الحساسية الموجودة لدى الشارع العام العربي ثم الإسلامي تجاه الوجود الصهيوني السرطاني في قلب المنطقة العربية.
إنّ تأسيس المعاهد والمراكز الثقافية التي تعنى بالشؤون السياسية يعتبر من أهمّ العوامل فعّالية للصهاينة في صراعهم مع الشعب الفلسطيني والعربي، لأنّها تلعب دوراً خطيراً في تهيئة المنظومات التي على أساسها تقوم الأعمال الأخرى، وفي وضع المخطّطات لتغيير التركيبة الثقافية العامة للعالم العربي.
فهذه المراكز بمثابة العقل المدبّر والمخطّط للفعاليات التي يقوم بها العدو الصهيوني البغيض في هذا الصعيد،
بالرغم من كل الإجراءات الهائلة التي إتخذتها الصهيونية في تنفيذ مخطّطاتها الرامية الى غزو الامة العربية على الصعيد الثقافي، ونقل الصراع من الجبهة العسكرية والسياسية الى ساحة الفكر والثقافة، وما سخّرته من أموال طائلة ووسائل ذات صفة تقنية عالية في نشاطاتها وتحركاتها، إلاّ أنّها تواجه العديد من العقبات والمشاكل التي تعترض طريق عملها في هذا المضمار.
ويمكن تلخيص أهم هذه العقبات والمشاكل كالآتي:
فمشكلة العقيدة اليهودية والتطلّعات الصهيونية التي روّجوا لها منذ نشوء هذا الكيان البغيض. فالمعتقدات الصهيونية تقضي بأنّ اليهود هم شعب الله المختار، وباقي البشر انّما خُلقوا لخدمتهم! لأنّ الله تعالى قد أرادهم واختارهم ليحكموا على الآخرين! طبق ما ترويه توراتهم.
ولذلك فإنّه يحقّ للشعب اليهودي أن يذلّل جميع ما يعترض طريقه بكلّ الوسائل المتاحة، حتّى لو اقتضى ذلك إستخدام العنف والوحشية في قتل الآخرين أو نهب ثرواتهم وهدم منازلهم، فالعالم بأسره يجب أن يخضع للحكم اليهودي!!.
هذا التفكير العنصري الذي يحمله الصهاينة جعلهم يعانون من أزمات حادّة تعصف بهم داخلياً وخارجياً تحول دون إمكان التعايش السلمي مع الآخرين.
فأمّا داخلياً: فإنّ لهذا التفكير أثر سلبي على التعايش السلمي بين اليهود أنفسهم. إذ انّ هناك فرقة تدعى بـ اشكناز تعود جذورها الى أوروبا، وهذه الفرقة ترى نفسها أفضل واسمى عنصراً من الفرقة اليهودية المسماة بـ سفارديوم التي تنحدر من أصول شرقية، ممّا أدّى الى بروز صراعات ومشاحنات قومية عنصرية داخل الكيان الصهيوني.
وأمّا خارجياً: فانّهم يعانون من مشكلة التناقض فيما يعتقدونه من عقيدة كونهم شعب الله المختار، وما يتطلّعون إليه من نيل التواصل مع الشعوب والثقافات الأخرى.
فهم يواجهون متاعب نفسية وإجتماعية كبيرة تجاه هذه المشكلة، وبالتالي فهم يعيشون أزمات حادّة من أجل التعايش السلمي مع الشعوب المجاورة، وخاصّة تلك التي تتّسم بحضارة عريقة، وتمتلك ثقافة مستنيرة.
ومن هنا فانّ «الثقافة» الصهيونية ثقافة متحجّرة وساكنة وغير صالحة لأن تُعرض على الآخرين أو أن تتنافس مع الثقافات الأخرى.
وعلى الرغم من كلّ المحاولات والمساعي الحثيثة التي بُذلت ابّان الحرب للإبقاء على حقيقة هذه الثقافة في طي الكتمان، فانّ مساعيهم باءت بالفشل بعدما تكشّفت للشعوب والأمم حقيقتها القائمة على العنصرية الممقوتة. وحينما أرادوا التعامل مع الشعوب الأخرى على مبدأ التعايش السلمي بهذه العقلية الثقافية المتحجّرة، النفسية المضطربة المريضة، واجهوا مشكلة كبيرة ومتفاقمة أمام طريق تواصلهم مع الآخرين.
وإذا أخذنا بنظر الإعتبار المعتقدات الدينية اليهودية المتزمّتة القائمة على أسس ملخّصها: عدم الإعتراف بالشعوب الأخرى، واعتبار هذه الشعوب مجرد خدم لليهود ليس إلاّ، فيكون من الواضح لكل باحث منصف أنّ القضايا الانسانية ليست لها أيّة قيمة تذكر في القاموس الثقافي الصهيوني.
فمبدأ حقوق الإنسان يتناقض مع الأسس العقيدية لليهود، وهكذا مبدأ حقّ الشعوب بتقرير مصيرها. وأمّا ارتكاب المجازر وإستخدام لغة القسوة والإرهاب والتهجير فهو جزء لايتجزأ من ثقافتهم الضيقة.
فالمجازر الوحشية التي قام بها اليهود ضد شعوب المنطقة العربية الإسلامية إبّان الاحتلال، وسياسة التشريد والتنكيل التي ارتكبوها ضد فلسطين ولبنان لم يدع أيّ مجال لإمكانية إقرار مبادىء التعايش السلمي من قبيل: مراعاة حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية المتعارف عليها دولياً
وممّا يجدر ذكره أنّ الصهاينة في الوقت الذي يمارسون فيه سياستهم العنصرية فانّهم يفخرون بالأسبقية في هذا الميدان من ائمة العنصريّين في العالم كهتلر وموسوليني وفيرفورد، ومن قبلهم: نيتشه وفيختة وكويستلر
إنّ الصهيوينة البغيضة التي استطاعت أن تستدرّ عطف ومعونة أوربا عام 1948م في خصوص إقامة الكيان الغاصب، تحاول اليوم أن تحتفظ بذلك النجاح نفسه، وتستفيد منه أقصى حدّ ممكن في إجراء سياستها المبنية على أسس توسعية قائمة على أركان ذات صفة عنصرية مقيتة.
المشكلة الأساسية الاخرى التي يعاني منها الكيان المحتلّ هي: افتقاره للحضارة، وعدم توفّره على خلفية ثقافية يمكن أن يستند عليها في مباحثاته ضمن مسيرة التطبيع والتواصل مع الشعوب الأخرى التي تعيش المنطقة على الخصوص.
حيث إنّ الكيان ككل ـ حكومة وشعباً ـ لازال بأيدي القوى السياسية العالمية بمثابة الأداة والآلة في تنفيذ المخطّطات التي تُصنع وتُستخدم في المراكز الغربية والأميركية ذات العلاقة بأصحاب القرارات العليا والصادرة لأجل حماية مصالح تلك القوى الحيوية والإستراتيجية. وطالما استعانت به أوروبا من قبل والولايات المتحدة اليوم في حلّ مشكلاتها والعقبات الحادثة في طريق سياستها الإستعمارية في منطقة الشرق الأوسط الثري.
فالصهاينة بلا ثقافة ولا حضارة، ولذا فانّ اسرائيل تحاول بغباوة أن تقتبس من أوربا وأميركا والبلدان العربية الإسلامية المجاورة لها التركيبة الثقافية لمجتمعها، وتكتسب التشكيلة الحضارية ولو ظاهرياً لكيانها ثم تدّعي الأصالة في حالة المنافسة مع الآخرين.
وبذلك استطاع منظّرو الكيان الصهيوني أن يكوّنوا له حكومةً سياسيةً «تقتطع» اعترافات الدول بها اقتطاعاً، وكياناً ثقافياً يدّعي المدنية والأصالة بلسان سليط، كل ذلك من خلال الإفادة من المقتبسات المتناثرة هنا وهناك من الثقافات الاخرى.
ومن الطبيعي انّ مثل هذه «الثقافة» لا تقوى على القيام بعملية «اختراق» ثقافي أو تحدّ في هذا المجال لمجتمعات تمتلك حضارة عريقة وتتمتّع بثقافة أصيلة ورفيعة، لأنّها تفتقد بالمرّة الى المقوّمات التي من شأنها تثبيت العناصر الثقافية المؤثرة في الواقع الحضاري لكل مجتمع وتمنحه المسحة الحضارية في طول حياته.
ان وجود مجموعة يهودية متطرفة في هذا الكيان تضمّ رجال دين وسياسة وغيرهما، تشكّل بمجموعها كأداة ضغط سياسية لتحركات الحكومة ونشاطاتها في صعيد التطبيع والتواصل الثقافي مع الشعوب والأمم الأخرى.
وبذلك أصبحت هذه المجموعات الحاقدة أحد المعرقلات التي تعترض حركة الحكومة الاسرائيلية في سبيل إقرار التطبيع مع العرب المسلمين، وتكريس حالة التواصل من خلال إيجاد ثوابت مشتركة مع سائر الثقافات الأخرى.
فاختلاف المعتقدات والقيم والآداب والتقاليد في المجتمع اليهودي الاسرائيلي تبعاً لتباين البلدان التي هاجر منها اليهود حالت دون ظهور ثقافة واحدة وتقاليد منسجمة داخل المجتمع الصهيوني.
فالاسرائيليون ينحدرون من قوميات مختلفة، وهو ما يستتبع وجود ثقافات وحضارات متعدّدة مختلفة في اسسها وقيمها والمن الصعب الالتقاء في ممر واحد